✍️ مها الشاعر :
إنّي إليّ راجع ..
" يمكن للمرء أن يختار الرجوع إلى بر الأمان ، أو التقدم نحو النمو ، يجب اختيار النمو مراراً وتكراراً، وعليك بالتغلب على الخوف مراراً وتكراراً " .. ابراهام ماسلو .
في كل مرة تنطلق فيها كالسهم لتحقيق هدف أو غاية .. أو اللحاق بحُلم ، ما أن تسلك كل السبل، وتتجاوز كل العقبات، وتخوض كل المعارك ، وتطوي كل تلك المسافات المضنية بسِمان سنينها و عجافها، بخُضر سنبلاتها وكذلك يابساتها ، لبلوغ ما تصبو إليه نفسك ، حتى تتوق للعودة إليك .
غاضاً الطرف عن هل حققت ما سعيت لأجله أم لا ؟ .. كله .. بعضه .. أو لا شيء منه البتة ، ولكن رضا البذل والسعي كان كافياً بأن تعود وتتكئ على ناصية حلمك بكل فخر بأنك بذلت كل ما بوسعك ، وهذا بحد ذاته وصول ، قد لا يكون للحلم ، ولكن لنقطة ميثاق الشرف ما بينك وبين ذاتك بأنك بذلت .
و في مثل هذه الرحلات الطويلة جداً والتي يخوضها المرء منطلقاً من نفسه ، متجهاً إليها ، ومن ثم .. عائداً إليها ، لا يمكن أن يعود منها خالِ الوفاض .. وكذلك أيضاً لا يعود منها كما كان قبلها .
فتلك تجربة .. أيقظت داخلك ذلك الطفل الأرعن الذي وجد نفسه فجأةً منتقلاً من طيش المراهقة إلى فتوّة الأربعين و رُشدها .. قبل حتى أن يبلغها .
وتلك كلمة ساقطة .. رفعتك إلى أعلى بكثير مما توقع الآخر سقوطك إليه .. بسببها .
وهنالك حدث عابر .. أعادك إلى النظر داخلك لتفقُّد مُسلّماتك ومبادئك وما أنت مؤمن به على وجه اليقين .. وما هو على محمل الشك ..
فتجد بأن الشك قد لبس وجه اليقين ، في حين أن اليقين قد ارتدى رداء الشك ، فتُكمل مسيرتك حائراً مابين شكك ويقينك ، مؤمناً بأنه لا شيء مُسلَّمٌ به هنا على وجه اليقين سوى بعض الركائز الربانية التي لا يُمكن لها أن تكون .. إلا على وجه اليقين .
وفي هذا نستذكر مقولة لهيلاري لوسون من كتابه " الرجوع إلى الذات : المعضلة ما بعد الحداثية" ..
" فإن مسائل اليقين لدينا يتم التعبير عنها من خلال النصوص، اللغة، وأنظمة الإشارات، لكن هذه الأدوات ليست محايدة على الإطلاق ، فيبدو من حيث المبدأ إذن أنه لا يمكن أن يكون هناك أي مجال يقيني".
وما أن تصل إلى هذه النقطة الحرجة تجاه مُسلّماتك ومبادئك فتعود هائماً على وجهك، حاملاً معك كل هذا الزخم من المشاعر، والمُثُل، والمفاهيم، والمتغيرات ،، و إلى آخره مما تمليه عليك تجاريب مدرسة الحياة، نتاج هذا المشوار الحافل الممتلئ رغم انك تعلم في قرارة نفسك بأنك لم تقطع حتى النصف منه ، وهذا مما يجعل أن يتبادر إلى ذهنك هذا السؤال المتوقع، وهذا الفضول المُلِّح للمعرفة .. يا تُرى ماذا تحمل قوافل من بلغ السبعين وما دونها وهو لا يزال على قيد الحياة ؟! ..
كم كبدته هذه الرحلة من الخسائر مقابل أرباحٍ بخسة ؟!.. وأنا في قولي هذا أعني في ظاهرها ، ولكن إن أحسنت النظر إلى بواطن حقيقتها، أدركت مدى عظمتها، ولعل من أبرزها راحة البال بأن ما قدِّر لك لن يتخطاك إلى غيرك ، واليقين التام بأن تعلم بأن ما أصابك لم يكن ليُخطأك ، وما أخطأك لم يكن ليُصيبك، مهما توقيت الحذر وكنت على قدر شديد من النباهة والفطنة .
حينها تطيب نفساً ، وتهنأ عيشاً ، وتطمئن روحك إلى كل ما أنت عليه الآن .
وتود لو أن لديك القدرة بأن تُمسك بيد كل من هو مقبل على الحياة، حديث التجربة فيها ، وتحثه على أن لا ضير بأن تتعلم من تجارب الآخرين ولكن لا بد من أن تخوض تجارب قصتك المختلفة عن قصتهم ، وذلك لأن شعور من عاش التجربة يختلف تماماً عن شعور ناقلها .
ناقلها قد يُعيرك مصباحه لينير لك الطريق لبرهة، ولكن ما أن ينفذ وقوده ستجد نفسك في مأزق لن تعرف طريق الخلاص منه ، ولكن إن كنت أنت صاحب المصباح ستعرف حتماً كيف تعيد تزويده بالوقود كلما أوشك على الإنطفاء .
ولعل أبرز ما يدفعنا لسلوك طريق التجارب في رحلتك الخاصة إلى الذات وعدم الركون إلى منطقة الراحة والأمان، بأنه ليس هناك معلِّم في هذه الحياة أفضل من التجربة ؛ " ابذل قصارى جهدك لتعرف الأفضل، ثم عندما تعرف الأفضل ، افعل ما هو أفضل" .. مايا انجيلو . ولن يكون لك معرفة ذلك إلا .. بالتجربة.
واحذر أن يُفزعك الخوف من الخطأ عن خوضها وتذكر دائماً ؛ "من يفكر بأفكار عظيمة، غالباً ما يرتكب أخطاء جسيمة" مارتن هيدجر .
وأنا أقول في هذا ؛ لا بد من الخطأ ولكن احرص بأن تكون صاحب الخطأ الذي لا يُفقدك نظرتك العالية تجاه ذاتك ، حتى لا تتوه في طريقك للعودة إليها عندما يحين وقت الرجوع .
إرسال تعليق