0




✍️ سارة طالب السهيل : 

تحتفل البشرية باليوم العالمي للنحل في 20 مايو كل عام، الذي أقرّته الأمم المتحدة بداية من عام 2017. تم اختيار هذا التاريخ؛ لأنه يصادف يوم ميلاد (أنطون يانشا) من سلوفينيا في القرن الثامن عشر، وهو رائد في تربية النحل، وكان من أوائل من درسوا النحل بشكل علمي ومنهجي. وقد اقترحت سلوفينيا هذا اليوم رسميا إيمانا منها بأهمية النحل ودوره في الحياة ككائن مهدد يجب حمايته، وكأحد عوامل الحفاظ على التوازن البيئي. 
هذا اليوم ليس مجرد مناسبة لتسليط الضوء على نوعٍ من الحشرات، بل هو دعوة إلى التأمل في حكمة الطبيعة، والتقدير لدور كائن صغير في الحجم، عظيم في الأثر، على الأمن الغذائي العالمي، والتنوع البيولوجي، والصحة النفسية، بل الإلهام الثقافي والأدبي على مر العصور. 
في عالمٍ يزداد تعقيدًا، وتتصاعد فيه الأزمات الصحية والغذائية والبيئية، يظهر عسل النحل لا كمنتج غذائي فقط، بل كرمزٍ للحياة المستدامة، والصحة المتوازنة، والعودة إلى الطبيعة بوصفها. أمًّا حكيمة. عسل النحل لم يعد مجرّد "مادة حلوة" تُضاف إلى الشاي أو الخبز، بل أصبح يُنظر إليه اليوم كإحدى دعائم المستقبل الإنساني، لما له من خصائص طبية، وقيم غذائية، وقدرة على تحفيز الاقتصاد الأخضر، وتذكيرنا بقيم التوازن والتعاون البيئي. 
 

الاحتفاء بالنحل أسبابه 

- يُعتبر النحل من أهم الملقحات الطبيعية في العامل، حيث يؤدي دورًا رئيسيًا في تلقيح أكثر من 75 في المئة من المحاصيل والنباتات الزراعية في العالم، مثل الفواكه والخضار والمكسرات والبذور. لولا النحل، لنخفض إنتاج الغذاء بشكلٍ حاد، مما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ونقص في الغذاء، وتضرر الأمن الغذائي العالمي. 
- عسل النحل كنز غذائي متكامل هو نتاج معقد لعملية طبيعية عبقرية تقوم بها ملايين النحلات العاملات. يحتوي العسل على أكثر من 200 مادة مفيدة منها: السكريات الطبيعية (الفركتوز والجلوكوز) فيتامينات.
- التهديدات الخطيرة التي تواجه النحل في السنوات الأخيرة بسبب: استخدام المبيدات الحشرية الضارة بالبيئة، التغيرات المناخية، فقدان الموائل الطبيعية المناسبة لحياة النحل، الأمراض والطفيليات التي تقضي على النحل.
 

النحل مصدر إلهام للإنسانية والأدباء 

النحل لم يكن مجرد كائن بيولوجي أو اقتصادي فحسب، بل رمز إنسانيا ثقافيا عبر العصور. فقد كان مصدر إلهام الفلاسفة والأدباء والفنانين، لما فيه من نظام اجتماعي دقيق، وتعاون فريد بين أنواع النحل المختلفة، وإتقان وإخلاص في العمل ليعلم البشرية. 
مثل (فيرجيل) الشاعر الروماني الذي وصف النحل بأنه "مجتمعٌ مثالي"، له ملكته وجنوده وعمّاله، (أفلاطون) الفيلسوف تحدّث عن الدولة المثالية مثل خلية النحل، حيث يعمل كل فردٍ في مكانه، في التراث العربي، تغنّى الشعراء بالعسل و"النحل العامل" رمزا للعمل والإنتاجية وإتقان العمل. 
القرآن الكريم أفرد سورة باسم "النحل"، وقال تعالى"يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس" (النحل 69) في إشارة إلى الفائدة العلاجية للعسل. 
ربما لا يعرف كثيرون أن للنحل تأثيرًا إيجابيًا حتى على الصحة النفسية والعقلية هناك عدة طرق يتجلى بها هذا التأثير
1- يستخدم تربية النحل علاجا نفسيا من بعض المتخصصين لمساعدة من يعانون حالات الاكتئاب والتوتر، إذ إن رعاية النحل تحتاج إلى هدوءٍ وتركيز، وتمنح شعورًا بالسلام والانتماء إلى الطبيعة.
2- استخدام عسل النحل كمهدئ طبيعي لاحتوائه على مكونات تحفّز إفراز السيروتونين، ما يحسن ويعزز من المزاج ويحارب الأرق.
3- مراقبة النحل في أثناء العمل، في الحقول أو في خلية زجاجية، يمكن أن تكون تجربة تأملية تساعد على تخفيف التوتر، وتذكّرنا بجمال النظام الطبيعي. والتدبر في مخلوقات الرحمن وحكمة الطبيعة. 
 

قصص من الواقع عن علاقة الإنسان والنحل 


الأولى: حدثت في قطاع غزة، رغم الحصار والظروف الصعبة، استطاع المربي الفلسطيني "خليل السالمي" أن ينشئ مزرعة نحل صغيرة فوق سطح منزله. قال في مقابلة صحفية" حين أعتني بالنحل، أنسى كل شيء... إنه كائن يعلمك الصبر والعمل الجماعي” وقد ساعد النحل هذا النحال الصغير في إعالة أسرته، بل وأصبح يبيع العسل، ويُدرّب شبابًا آخرين. 
الثانية: في روسيا في بعض المناطق، يُستخدم النحل للعلاج بلسعاتٍ موجّهة في نقاطٍ طبية من الجسم، كنوعٍ من الطب البديل لتخفيف آلام المفاصل وتحفيز جهاز المناعة. وقد أفادت تقارير أن كثيرين وجدوا تحسنًا كبيرًا بعد الخضوع لهذا النوع من "العلاج الطبيعي"
 

دعوة إلى المساهمة في حماية النحل 

حماية النحل ليست مسؤولية المزارعين وحدهم، بل يمكن لكل فرد المساهمة من خلال: زراعة النباتات والأزهار المحببة والجاذبة للنحل في الحدائق والشرفات، التوقف وتجنب استخدام المبيدات الحشرية والكيميائية الضارة للنحل، دعم منتجات العسل المحلية لتشجيع المربين على التوسع والاستمرار في تربية النحل ورعايته، القيام بحملات توعية في المدارس والجامعات والمجتمعات بأهمية النحل ودوره في حياتنا وفوائد العسل.


وفي تقديري أن النحل يعلمنا دروسًا عظيمة في العمل الجماعي والنظام والتفاني بالعمل والصبر والعطاء بدون مقابل، إن احترامنا لهذا الكائن هو احترامنا للطبيعة ولأنفسنا. وفي اليوم العالمي للنحل، دعونا لا نكتفي بالاحتفال، بل نلتزم بحمايته من أجل مستقبل البشرية وكوكب الأرض. 


إرسال تعليق

 
الى الاعلى