✍️ أ . حنان الغامدي :
في كل بيئة عمل، هناك أولئك الذين يسعون لتحقيق النجاح من خلال الجهد والاجتهاد، وهناك من يسلكون طرقًا أخرى أقل شرفًا، متسلحين بالتسلق على أكتاف زملائهم والتملق لذوي السلطة. قد يبدو هؤلاء في البداية وكأنهم يسيرون بخطوات واثقة نحو القمة، لكن ما يتركونه خلفهم هو بيئة متصدعة وفريق عمل منهك.
التسلق ليس مجرد سلوك فردي؛ بل هو فعل يخنق روح العمل الجماعي. عندما يستغل شخص نجاح الفريق لينسبه إلى نفسه، فإنه لا يسرق جهد الآخرين فحسب، بل يُضعف معنوياتهم، وكأن رسالة خفية تُقال لهم: “عملكم ليس ذا قيمة إلا إذا استغلّه شخص آخر.” وفي كل مرة يحدث ذلك، تتآكل الثقة داخل الفريق، ويصبح من الصعب على أي شخص أن يشعر بالانتماء أو الرغبة الحقيقية في العطاء.
أما التملق، فهو سلاح آخر يُستخدم لتزييف الصورة. يظهر المتملقون وكأنهم حريصون على رضا المديرين، لكن حقيقتهم ليست سوى انعكاس لرغبة خفية في تحقيق مكاسب شخصية. يصبح المديح المبالغ فيه وسيلة لفتح الأبواب، والابتسامات المصطنعة أداة لتجاوز الآخرين. المشكلة أن هذا النوع من السلوك لا يمر مرور الكرام على الزملاء، بل يثير فيهم شعورًا بالخيبة وربما الغضب الصامت.
في مثل هذه البيئات، يسود شعور عام بعدم العدالة. يصبح الأذكياء والمبدعون عرضة للإحباط، لأنهم يرون أن كفاءتهم وحدها ليست كافية. تترسخ ثقافة “من يُجيد التملق، ينجح”، وتبدأ المواهب الحقيقية بالبحث عن أماكن أخرى تقدّر فيها جهودها حقًا.
ومع ذلك، لا يمكننا لوم الأفراد وحدهم. ففي النهاية، بيئة العمل التي تسمح لهذه السلوكيات بالازدهار تتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية. عندما يغيب التقييم العادل، وعندما تُكافأ الكلمات المعسولة أكثر من الأفعال، يصبح الطريق ممهدًا لأولئك الذين يبحثون عن النجاح بأي ثمن.
لكن القمة التي تُبنى على الكذب والخداع، تظل دائمًا هشة. فالنجاح الحقيقي لا يُقاس بعدد الترقيات التي يحصل عليها الفرد، بل بقدرته على بناء علاقات قائمة على الاحترام والثقة. وإذا كانت بيئة العمل تُشجع على العكس، فإنها لا تخلق قادة، بل أعداء للنجاح الحقيقي.
إن السبيل الوحيد لمواجهة هذه الظاهرة هو العودة إلى القيم الأساسية: العمل الجماعي، الشفافية، والتقدير العادل. لأن النجاح الذي يُبنى على احترام الجميع، لا يمكن لأي شيء أن يهدمه.
إرسال تعليق